فصل: بَابُ إعَادَةِ الْمَكْتُوبَةِ مَعَ الْإِمَامِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّدَقَاتِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ‏}‏ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهَذَا وَخَالَفَنَا فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ عليه السلام‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً‏}‏ وَقَالَ‏:‏ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ‏}‏ لَمْ يُخَصِّصْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَالاً دُونَ مَالٍ وَلَمْ يُخَصِّصْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَالاً دُونَ مَالٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ‏,‏ وَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَقَالَ‏:‏ لاَ يَكُونُ مَالٌ فِيهِ صَدَقَةٌ‏,‏ وَآخَرُ لاَ صَدَقَةَ فِيهِ‏,‏ وَكُلُّ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ مِنْ شَيْءٍ وَإِنْ حُزْمَةَ بَقْلٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ مَعْنَى مَا أَرَادَ إذْ أَبَانَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِنْ الْأَمْوَالِ دُونَ مَا لَمْ يَرِدْ‏,‏ وَالْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ جُمْلَةً وَالْمُفَسِّرُ يَدُلُّ عَلَى الْجُمْلَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ سَمِعْت مَنْ يَحْتَجُّ عَنْهُ فَيَقُولُ كَلاَمًا يُرِيدُ بِهِ قَدْ قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَأَخَذُوا الصَّدَقَاتِ فِي الْبُلْدَانِ أَخْذًا عَامًّا وَزَمَانًا طَوِيلاً فَمَا رُوِيَ عَنْهُمْ وَلاَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ قَالَ‏:‏ وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُهُودٌ مَا هَذَا فِي وَاحِدٍ مِنْهَا‏,‏ وَمَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْهِ أَنَّ الْمُحَدِّثَ بِهِ لَمَّا كَانَ ثِقَةً اُكْتُفِيَ بِخَبَرِهِ وَلَمْ نَرُدَّهُ بِتَأْوِيلٍ وَلاَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَلاَ بِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِثْلَهُ اكْتِفَاءً بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا دُونَهَا وَبِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَنْصُوصَةً بَيِّنَةً لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا تَأْوِيلُ كِتَابٍ إذْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى الْكِتَابِ‏,‏ وَلاَ تَأْوِيلُ حَدِيثٍ جُمْلَةً يَحْتَمِلُ أَنْ يُوَافِقَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنْصُوصَ وَيُخَالِفَهُ‏,‏ وَكَانَ إذَا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لَهُ‏,‏ وَلاَ يَكُونَ مُخَالِفًا فِيهِ وَلَمْ يُوهِنْهُ أَنْ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا وَاحِدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ ثِقَةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ‏}‏ فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهَذَا‏,‏ وَقُلْنَا‏:‏ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْ بَاعَ نَخْلاً لَمْ تُؤَبَّرْ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا فَقَالَ‏:‏ إذَا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالثَّمَرَةِ إذَا أُبِّرَتْ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ عَلِمْنَاهُ إذَا أَبَّرَ فَقَدْ زَايَلَ أَنْ يَكُونَ مَغِيبًا فِي شَجَرِهِ لَمْ يَظْهَرْ كَمَا يَكُونُ الْحَمْلُ مَغِيبًا لَمْ يَظْهَرْ‏,‏ وَكَذَلِكَ إذَا زَايَلَهَا وَإِنْ لَمْ يُؤَبِّرْ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَقَالَ‏:‏ هَكَذَا تَقُولُونَ فِي الْأَمَةِ تُبَاعُ حَامِلاً حَمْلُهَا لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا فَارَقَهَا فَوَلَدُهَا لِلْبَائِعِ وَالثَّمَرُ إذَا خَرَجَ مِنْ النَّخْلَةِ فَقَدْ فَارَقَهَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ أَنْ قُلْنَا‏:‏ إنَّ الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ اتَّبَعْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَمَرَ بِهِ‏,‏ وَلَمْ نَجْعَلْ أَحَدَهُمَا قِيَاسًا عَلَى الْآخَرِ وَنُسَوِّي بَيْنَهُمَا إنْ ظَهَرَا فِيهَا وَلَمْ نَقِسْهُمَا عَلَى وَلَدِ الْأَمَةِ‏,‏ وَلاَ نَقِيسُ سُنَّةً عَلَى سُنَّةٍ‏,‏ وَلَكِنْ نُمْضِي كُلَّ سُنَّةٍ عَلَى وَجْهِهَا مَا وَجَدْنَا السَّبِيلَ إلَى إمْضَائِهَا وَلَمْ نُوهِنْ هَذَا الْحَدِيثَ بِقِيَاسٍ وَلاَ شَيْءٍ مِمَّا وَصَفْت وَلاَ بِأَنْ اجْتَمَعَ هَذَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُرْوَ فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَلاَ عُمَرَ وَلاَ عُثْمَانَ وَلاَ عَلِيٍّ قَوْلٌ وَلاَ حُكْمٌ وَلاَ أَمْرٌ يُوَافِقُهُ وَاسْتَغْنَيْنَا بِالْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ عَمَّا سِوَاهُ‏.‏

بَابٌ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ فَقِيلَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ حَتَّى تَحْمَرَّ وَقَالَ‏:‏ أَرَأَيْت إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَأَخَذْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ نَحْنُ وَأَنْتُمْ وَقُلْنَا‏:‏ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّ بُدُوَّ صَلاَحِهَا الْحُمْرَةُ وَمِثْلُهَا الصُّفْرَةُ‏,‏ وَأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الثَّمَرَةِ مَا يُتْرَكُ إلَى مُدَّةٍ يَكُونُ فِي مِثْلِهَا التَّلَفُ فَقُلْنَا‏:‏ كُلُّ مَنْ ابْتَاعَ ثَمَرَةً قَدْ بَدَا صَلاَحُهَا فَلَهُ تَرْكُهَا حَتَّى تَجِدَّ وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا فَقَالَ‏:‏ مَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً قَدْ بَدَا صَلاَحُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرْكُهَا‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ مِلْكَ النَّخْلِ وَالْمَاءِ الَّذِي بِهِ صَلاَحُ النَّخْلِ لِلْبَائِعِ يَسْتَبْقِي نَخْلَهُ وَمَاءَهُ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ‏;‏ لِأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ حِصَّةَ الثَّمَرَةِ مِنْ الثَّمَنِ مِنْ حِصَّةِ الْإِجَارَةِ فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ‏}‏ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَمْنَعُ مَا يَتْرُكُ لاَ مَا يَكُونُ عَلَى مُشْتَرِيهِ أَنْ يَقْطِفَهُ مَكَانَهُ وَرَأَيْنَا أَنَّ مَنْ خَالَفَنَا فِيهِ قَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ وَتَرَكَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ السُّنَّةُ لَوْ احْتَجَّ عَلَيْنَا بِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَلاَ عُمَرَ وَلاَ عُثْمَانَ وَلاَ عَلِيٍّ قَوْلٌ وَلاَ قَضَاءٌ يُوَافِقُ هَذَا اسْتَغْنَيْنَا بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا سِوَاهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ‏:‏ ‏{‏عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ‏}‏ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً ‏(‏قَالَ‏:‏ الشَّافِعِيُّ‏)‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا حِينَ وَجَدْنَا لَهَا كُلِّهَا مَخْرَجًا فَقُلْنَا الْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الْجُزَافِ كُلِّهِ بِشَيْءٍ مِنْ صِنْفِهِ كَيْلاً وَالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ إذَا كَانَ الرُّطَبُ يُنْقَصُ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُتَفَاضِلٌ أَوْ مَجْهُولٌ فَقَدْ حُرِّمَ أَنْ يُبَاعَ إلَّا مُسْتَوِيًا‏,‏ وَذَلِكَ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ وَأَحْلَلْنَا بَيْعَ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ وَالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ إذَا كَانَ لَهُمَا وَجْهٌ مَعًا‏,‏ وَخَالَفَنَا فِي هَذَا بَعْضُ النَّاسِ فَلَمْ يُجِزْ بَيْعَ الْعَرَايَا وَرَدَّهَا بِالْحَدِيثَيْنِ وَقَالَ‏:‏ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ فَأَخَذْنَا بِأَحَدِهِمَا وَكَانَ الَّذِي أَخَذْنَا بِهِ أَشْبَهَ بِسُنَّتِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا كَيْلاً بِكَيْلٍ فَرَأَيْنَا لَنَا الْحُجَّةَ ثَابِتَةً بِمَا قُلْنَا عَلَى مَنْ خَالَفَنَا إذَا وَجَدْنَا لِلْحَدِيثَيْنِ وَجْهًا نُمْضِيهِمَا فِيهِ مَعًا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى فَإِذَا كَانَتْ لَنَا حُجَّةٌ كَانَتْ عَلَيْكُمْ فِي الْحَدِيثَيْنِ يَكُونَانِ هَكَذَا فَتَنْسُبُهُمَا إلَى الِاخْتِلاَفِ‏,‏ وَقَدْ يُوجَدُ لَهُمَا وَجْهٌ يَمْضِيَانِ فِيهِ مَعًا فَلَمْ نَدَعْهُ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ حُجَّةِ غَيْرِنَا بِحَدِيثِنَا‏,‏ وَلاَ بِأَنْ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَلاَ عُمَرَ وَلاَ عُثْمَانَ وَلاَ عَلِيٍّ وَاسْتَغْنَيْنَا بِالْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَجُلٍ بِكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلٌ فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بِكْرَهُ فَقُلْت‏:‏ لَمْ أَجِدْ فِي الْإِبِلِ إلَّا جَمَلاً خِيَارًا رُبَاعِيًّا فَقَالَ‏:‏ أَعْطِهِ إيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً‏}‏ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهَذَا وَقُلْنَا لاَ بَأْسَ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الْحَيَوَانَ إلَّا الْوَلاَئِدَ وَأَنْ يُسَلِّفَ فِي الْحَيَوَانِ كُلِّهِ قِيَاسًا عَلَى هَذَا‏,‏ وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا لاَ يَسْتَسْلِفُ الْحَيَوَانَ‏,‏ وَلاَ يُسَلِّفَ فِيهِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ السَّلَفَ فِيهِ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نَرَ فِي وَاحِدٍ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةً مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

‏(‏قَالَ الرَّبِيعُ‏)‏‏:‏ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ هَا هُنَا قَرْضُ الْأَمَةِ خَاصَّةً لِأَنَّ لَهُ أَخْذَهَا مِنْهُ فَأَمَّا الْعَبْدُ فَيَجُوزُ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏.‏

بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهِ وَإِنَّمَا أَخَذْنَا نَحْنُ بِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْمَكِّيِّينَ مُتَّصِلاً صَحِيحًا وَخَالَفَنَا فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ فَمَا احْتَجَّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ قَطُّ عَلِمْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ حُجَجِهِ فِيهِ‏,‏ وَفِي ثَلاَثِ مَسَائِلَ مَعَهُ فَزَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ‏,‏ وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏}‏ وَقَالَهُ عُمَرُ فَكَانَ هَذَا دَلاَلَةً عَلَى أَنْ لاَ تَجُوزَ يَمِينٌ إلَّا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلاَ يَحْلِفُ مُدَّعٍ‏,‏ وَاحْتَجَّ بِابْنِ شِهَابٍ وَعَطَاءٍ وَعُرْوَةَ وَهُمَا رَجُلاَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي زَمَانِهِمَا أَنْكَرَاهُ غَايَةَ النُّكَرَة‏,‏ وَاحْتَجَّ بِأَنْ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَلاَ عُمَرَ وَلاَ عُثْمَانَ فِيهِ شَيْءٌ يُوَافِقُهُ‏,‏ وَلاَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ عِنْدَهُ‏,‏ وَلاَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ وَلاَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَلاَ الْقَاسِمِ وَلاَ أَكْثَرِ التَّابِعِينَ وَبِأَنَّا أَحَلَفْنَا فِي الْمَالِ وَلَمْ نُحَلِّفْ فِي غَيْرِهِ‏,‏ وَأَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ إنَّمَا أَخَذْنَا بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَنَّا وَجَدْنَاهُ فِي كُتُبِ سَعْدٍ وَقَالَ‏:‏ تَأْخُذُونَ بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ بِأَنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فِي كِتَابٍ وَتَرُدُّونَ الْأَحَادِيثَ الْقَائِمَةَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَكَانَتْ حُجَّتِي عَلَيْهِ أَنْ قُلْت‏:‏ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتَةٌ وَمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يُوهِنْهُ أَنْ لاَ يُوجَدَ عِنْدَ غَيْرِهِ‏,‏ وَلَمْ يُتَأَوَّلْ مَعَهُ قُرْآنٌ‏,‏ وَلَمْ يَدْفَعْهُ أَنْ أَنْكَرَهُ عُرْوَةُ وَابْنُ شِهَابٍ وَعَطَاءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْإِنْكَارِ حُجَّةٌ إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي الْخَبَرِ لاَ فِي الْإِنْكَارِ‏,‏ وَرَأَيْنَا هَذَا لَنَا حُجَّةً ثَابِتَةً فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا يَكُونُ لَنَا حُجَّةٌ فَعَلَيْك مِثْلُهُ‏,‏ وَأَحْرَى وَأَوْلَى أَنْ لاَ يُوجَدَ عَلَيْهِ مَا يُوهِنُهُ مِنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِسْطَاسٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ‏}‏ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقُلْنَا‏:‏ فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ امْرَأً لاَ يَحْلِفُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مَجْبُورًا عَلَى الْيَمِينِ لاَ مُتَطَوِّعًا بِهَا‏,‏ وَإِنَّمَا يَجْبُرُ النَّاسَ عَلَى الْأَيْمَانِ الْحُكَّامُ‏,‏ وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا وَاحْتَجَّ فِيهِ بِأَنْ قَالَ‏:‏ هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ بِالْحِفْظِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نِسْطَاسٍ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ‏,‏ وَلَوْ احْتَجَجْنَا عَلَيْكُمْ بِمِثْلِ هَذَا رَدَدْتُمُوهُ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَلَفَ عَلَى الْمِنْبَرِ‏,‏ وَقَدْ يَتَطَوَّعُ الرَّجُلُ فَيَحْلِفُ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا يَتَطَوَّعُ فَيَحْلِفُ بِطَلاَقٍ وَعَتَاقٍ وَلَمْ يُسْتَحْلَفْ لَمْ تَحْفَظُوا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ غَيْرِهِ أَنَّهُ أَحَلَفَ أَحَدًا عَلَى مِنْبَرٍ فِي غُرْمٍ وَلاَ غَيْرِهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَعَنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَحُكِيَ اللِّعَانُ‏,‏ وَلَمْ يُحْكَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ‏:‏ أَوْ رَأَيْت أَهْلَ الْبُلْدَانِ أَيُجْلَبُونَ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ يَحْلِفُونَ بِبُلْدَانِهِمْ‏؟‏ فَكَيْفَ تَكُونُ الْأَيْمَانُ عَلَى النَّاسِ مُخْتَلِفَةً فَلَمْ نَرَ لَهُ فِي هَذَا حُجَّةً وَقُلْنَا‏:‏ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ لاَ يَحْلِفُ أَحَدٌ عَلَى مِنْبَرٍ إلَّا مَجْبُورًا كَمَا وَصَفْنَا‏.‏

كِتَابُ الْعِتْقِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ فَأُعْطِيَ شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ‏}‏ فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَبْطَلْنَا بِهِ الِاسْتِسْعَاءَ وَشَرَكْنَا الرِّقَّ وَالْحُرِّيَّةَ فِي الْعَبْدِ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ لِلْعَبْدِ مُفْلِسًا وَخَالَفَنَا فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ‏,‏ وَوَهَّنَهُ بِأَنْ قَالَ‏:‏ رَوَاهُ سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ أَيُّوبُ وَرُبَّمَا قَالَ نَافِعٌ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْ وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ شَيْءٌ كَانَ يَقُولُهُ نَافِعٌ بِرَأْيِهِ وَوَهَّنَهُ بِأَنْ قَالَ‏:‏ حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَحْدَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفُهُ‏,‏ وَعَنْ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ الِاسْتِسْعَاءُ وَوَهَّنَهُ بِأَنْ قَالَ‏:‏ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَلاَ عُمَرَ وَلاَ عُثْمَانَ وَلاَ عَلِيٍّ مَا يُوَافِقُهُ بَلْ رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ خِلاَفَهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْهِ أَنَّ سَالِمًا وَإِنْ لَمْ يَرْوِهِ فَنَافِعٌ ثِقَةٌ‏,‏ وَلَيْسَ فِي قَوْلِ أَيُّوبَ رُبَّمَا قَالَهُ وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْهُ إذَا قَالَهُ عَنْهُ غَيْرُهُ حُجَّةٌ‏,‏ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَالْحُفَّاظُ يَرَوْنَهُ لاَ يُخَالِفُ حَدِيثَنَا‏,‏ وَغَيْرُهُمْ يَرَوْنَهُ يُخَالِفُ حَدِيثَنَا وَلَوْ خَالَفَهُ كَانَ حَدِيثُنَا أَثْبَتَ مِنْهُ‏,‏ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ يُخَالِفُ حَدِيثَنَا لاَ يَثْبُتُ‏,‏ وَلاَ يَرْوِيهِ الْحُفَّاظُ يُخَالِفُ حَدِيثَنَا‏,‏ وَإِذَا كَانَتْ لَنَا الْحُجَّةُ بِهَذَا عَلَى مَنْ خَالَفَنَا فَهَكَذَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُلْزِمَ أَنْفُسَنَا فِي الْحَدِيثِ كُلِّهِ وَأَنْ نَسْتَغْنِيَ بِخَبَرِ الصَّادِقِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خُلَفَائِهِ مَا يُوَافِقُهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَأَدْخَلُوا عَلَيْنَا فِيهِ أَنَّ عَبْدًا يَكُونُ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ عَبْدًا فَلاَ يَكُونُ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ أَنْ يَرِثَ وَلاَ يُوَرِّثَ‏,‏ وَتَكُونُ حُقُوقُ الْحُرِّيَّةِ كُلُّهَا فِيهِ مُعَطَّلَةً إلَّا أَنَّهُ يَتْرُكُ لِنَفْسِهِ يَوْمًا ثُمَّ يَكْسِبُ فِي يَوْمِهِ فَيُمْنَعُ أَنْ يَهَبَ مَالَهُ فَقُلْنَا‏:‏ لاَ نَتْرُكُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَدْخُلَهُ مِنْ الْقِيَاسِ مَا وَصَفْتَ‏,‏ وَلاَ أَكْثَرُ وَلاَ مَوْضِعَ لِلْقِيَاسِ مَعَ السُّنَّةِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ قَدْ فَهِمْت مَا كَتَبْت مِمَّا أَخَذْت وَأَخَذْنَا بِهِ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ وَوَجَدْت فِيهَا مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّا ثَبَتْنَا أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لَمْ تَأْتِ إلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خُلَفَائِهِ شَيْءٌ يُوَافِقُهُ وَلاَ يُخَالِفُهُ وَوَجَدْنَا فِيهِ مَا نُثْبِتُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ عَنْ بَعْضِ خُلَفَائِهِ شَيْءٌ يُخَالِفُهُ فَذَهَبْنَا إلَى الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكْنَا مَا خَالَفَهُ فِي الْقَسَامَةِ‏,‏ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ فِي الْقَسَامَةِ خِلاَفَ مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صِرْنَا إلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ فِي الضِّرْسِ وَغَيْرِهَا وَذَهَبْنَا إلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ مَا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي أَشْيَاءَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ أَفَتُبَيِّنُ لِي أَنَّا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ تَرَكْنَاهُ لِغَيْرِهِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ كَثِيرٌ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَمَا حُجَّةُ فِعْلِ هَذَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ قَدْ جَهَدْت أَنْ أَجِدَ لَكُمْ شَيْئًا يَكُونُ عِنْدِي أَوْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حُجَّةً يُعْذَرُ بِهَا فَلَمْ أَجِدْهُ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ رَوَيْتُمْ عَنْهُمْ مَا أَخَذْتُمْ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَّقْتُمُوهُمْ‏,‏ وَاَلَّذِينَ رَوَيْتُمْ عَنْهُمْ مَا تَرَكْتُمْ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ يَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَقُولُوا‏:‏ هُمْ مُتَّهَمُونَ فَإِنْ قُلْتُمْ‏:‏ قَدْ يَغْلَطُونَ فَقَدْ يَجُوزُ لِغَيْرِكُمْ أَنْ يَقُولَ لاَ نَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الْغَلَطِ‏,‏ وَإِنْ قُلْتُمْ يَغْلَطُونَ فِي بَعْضٍ وَيَحْفَظُونَ فِي بَعْضٍ جَازَ لِغَيْرِكُمْ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى غَلَطِ الْمُحَدِّثِ أَنْ يُخَالِفَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ فَإِنْ قُلْتُمْ فِيهِ لاَ يُخَالِفُ بِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ صَاحِبَهُ غَلِطَ مَرَّةً وَحَفِظَ جَازَ عَلَيْك أَنْ يُقَالَ غَلِطَ حَيْثُ زَعَمْت أَنَّهُ حَفِظَ‏,‏ وَحَفِظَ حِينَ زَعَمْت أَنَّهُ غَلِطَ وَجَازَ عَلَيْك وَعَلَى غَيْرِك أَنْ يُقَالَ‏:‏ كُلُّهُ يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ فَنَدَعُهُ وَنَطْلُبُ الْعِلْمَ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِمْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَهَذَا لاَ يُوجَدُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَهْلِ الصِّدْقِ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقْبَلَ فَلاَ يُتْرَكُ شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ نَفْسِهِ وَبِالنَّاسِ الْحَاجَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ مِنْ اتِّبَاعِ أَمْرِهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَاذْكُرْ مِمَّا رُوِيَ شَيْئًا فَقَالَ‏:‏ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لاَ أَرَبَ لِي فِي ذِكْرِهِ‏,‏ وَإِنْ سَأَلْتَنِي عَنْ قَوْلِي لِأُوَضِّحَ الْحُجَّةَ فِيمَا جبيتك أَنْتَ نَفْسُك فِي قَوْلِك وَقَدْ أَعْطَيْتُك جُمْلَةً تُغْنِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ تَدَعْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا أَبَدًا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ خِلاَفُهُ فَتَفْعَلَ فِيهِ بِمَا قُلْت لَك فِي الْأَحَادِيثِ إذَا اخْتَلَفَتْ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَلَسْت أُرِيدُ مَسْأَلَتَك مَا كَرِهْت مِنْ ذِكْرِ أَحَدٍ‏,‏ وَلَكِنِّي أَسْأَلُك فِي أَمْرٍ أُحِبُّ أَنْ تُوَضِّحَ لِي فِيهِ الْحُجَّةَ قَالَ‏:‏ فَسَلْ‏.‏

بَابُ صَلاَةِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ مَرِيضًا بِالْمَأْمُومِينَ جَالِسًا وَصَلاَتُهُمْ خَلْفَهُ قِيَامًا‏.‏

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ‏:‏ هَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ جَالِسًا وَكَيْفَ يُصَلُّونَ وَرَاءَهُ أَيُصَلُّونَ قُعُودًا أَوْ قِيَامًا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ يَأْمُرُ مَنْ يَقُومُ فَيُصَلِّي بِهِمْ أَحَبُّ إلَيَّ‏,‏ وَإِنْ أَمَّهُمْ جَالِسًا‏,‏ وَصَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا كَانَ صَلاَتُهُمْ وَصَلاَتُهُ مُجْزِيَةً عَنْهُمْ مَعًا وَكَانَ كُلٌّ صَلَّى فَرْضَهُ كَمَا يُصَلِّي الْإِمَامُ إذَا كَانَ صَحِيحًا قَائِمًا‏,‏ وَيُصَلِّي خَلْفَهُ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ جَالِسًا فَيَكُونُ كُلٌّ صَلَّى فَرْضَهُ‏,‏ وَإِنَّمَا اخْتَرْت أَنْ يُوَكِّلَ الْإِمَامُ إذَا مَرِضَ رَجُلاً صَحِيحًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَائِمًا أَنَّ مَرَضَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَأَنَّا لَمْ نَعْلَمْهُ صَلَّى بِالنَّاسِ جَالِسًا فِي مَرَضِهِ إلَّا مَرَّةً لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ بَعْدَهَا عَلِمْتُهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِهِمْ وَالصَّلاَةَ قَاعِدًا جَائِزَانِ عِنْدَهُ مَعًا وَكَانَ صَلاَتُهُمْ مَعَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَهَلْ حَفِظْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُقْعُدُوا ثُمَّ أَمَرَهُمْ حِينَ فَرَغَ مِنْ الصَّلاَةِ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ قَاعِدًا وَصَلَّى خَلْفَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ يَعْنِي ابْنَ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏{‏صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى خَلْفَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ‏:‏ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا‏}‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَقَدْ رَوَيْت هَذَا فَكَيْفَ لَمْ تَأْخُذْ بِهِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ هَذَا مَنْسُوخٌ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت‏:‏ وَمَا نَسَخَهُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْت لَك يَدُلُّك عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ فِي صَرْعَةٍ صُرِعَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت فَمَا نَسَخَهُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَالِسًا‏,‏ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِجُلُوسٍ وَلَمْ يَجْلِسُوا‏}‏ وَلَوْلاَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ صَارُوا إلَى الْجُلُوسِ بِمُتَقَدِّمِ أَمْرِهِ إيَّاهُمْ بِالْجُلُوسِ وَلَوْ ذَهَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لاََمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ وَقَدْ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ إلَى جَنْبِهِ بِصَلاَتِهِ قَائِمًا وَمَرَضُهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ آخِرُ فِعْلِهِ وَبَعْدَ سَقَطْته لِأَنَّهُ لَمْ يَرْكَبْ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي قُلْت‏:‏ فَاذْكُرْ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَيْتَهُ فِي هَذَا فَقَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي مَرَضِهِ فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ كَمَا أَنْتَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ‏}‏ ‏(‏قَالَ‏:‏ الشَّافِعِيُّ‏)‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِ مَعْنَاهُ لاَ يُخَالِفُهُ وَأَوْضَحَ مِنْهُ قَالَ‏:‏ وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ إلَى جَنْبِهِ قَائِمًا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَتْنِي الثِّقَةُ كَأَنَّهُ يَعْنِي عَائِشَةَ ثُمَّ ذَكَرَ صَلاَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ إلَى جَانِبِهِ بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ‏,‏ قَالَ‏:‏ وَرُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ هِشَامٍ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ‏,‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ‏:‏ لاَ يُصَلِّي أَحَدٌ بِالنَّاسِ جَالِسًا وَنَحْتَجُّ بِأَنَّا رَوَيْنَا عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا فَلَيْسَ فِيهِ خِلاَفٌ لِمَا أَخَذْنَا بِهِ وَلاَ مَا تَرَكْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قُلْت وَلِمَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قَدْ مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ إلَّا صَلاَةً وَاحِدَةً‏,‏ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي أَيَّامِهِ تِلْكَ‏,‏ وَصَلاَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ مَرَّةً لاَ تَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ غَيْرَ تِلْكَ الصَّلاَةِ بِالنَّاسِ مَرَّةً وَمَرَّاتٍ‏,‏ وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ مَرَّةً وَمَرَّاتٍ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ صَلَّى خَلْفَهُ أَبُو بَكْرٍ أُخْرَى كَمَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ عُمْرِهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَقَدْ ذَهَبْنَا إلَى تَوْهِينِ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِحَدِيثِ رَبِيعَةَ قَالَ‏:‏ فَإِنَّمَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ لِجَهَالَتِكُمْ بِالْحَدِيثِ وَالْحُجَجِ‏,‏ حَدِيثُ رَبِيعَةَ مُرْسَلٌ لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَنَحْنُ لَمْ نُثْبِتْ حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ حَتَّى أَسْنَدَهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ‏,‏ وَالْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَافَقَهُ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ فَكَيْفَ احْتَجَجْتُمْ بِمَا لاَ يَثْبُتُ مِنْ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ثَبَتَ‏؟‏ وَهُوَ إذَا ثَبَتَ حَتَّى يَكُونَ أَثْبَتَ حَدِيثٍ يَكُونُ كَمَا وَصَفْت لاَ يُخَالِفُ حَدِيثَ عُرْوَةَ وَلاَ أَنَسٍ وَلاَ مُوَافِقَهُ وَلاَ بِمَعْنًى فَيُوهِنُ حَدِيثَنَا‏,‏ وَهَذَا مِنْكُمْ جَهَالَةٌ بِالْحَدِيثِ وَبِالْحُجَّةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَوْ رَأَيْت إذْ جَهِلْتُمْ الْحَدِيثَ وَالْحُجَّةَ فَلَوْ كَانَ حَدِيثُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي صَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي بَكْرٍ غَيْرَ ثَابِتٍ فَيَكُونُ نَاسِخًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ بِأَمْرِهِ إذَا صَلَّى جَالِسًا يُصَلِّي مَنْ خَلْفَهُ جُلُوسًا أَمَا كُنْتُمْ خَالَفْتُمْ حَدِيثَيْنِ ثَابِتَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَيْرِ حَدِيثٍ ثَابِتٍ عَنْهُ‏,‏ وَهُوَ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا إلَى حَدِيثٍ عَنْهُ يَنْسَخُ حَدِيثَهُ الَّذِي خَالَفَهُ إلَيْهِ‏,‏ أَوْ يَكُونُ أَثْبَتَ مِنْهُ‏؟‏ فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُ هِشَامٍ حَتَّى يَكُونَ نَاسِخًا لِلْحَدِيثَيْنِ لَزِمَكُمْ أَنْ تَأْمُرُوا مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ قَائِمًا أَنْ يَجْلِسَ إذَا جَلَسَ كَمَا رَوَى أَنَسٌ وَعَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ‏,‏ وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ هِشَامٍ نَاسِخًا فَقَدْ خَالَفْتُمْ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ إلَى قَوْلِ أَنْفُسِكُمْ وَخِلاَفُ السُّنَّةِ ضَيِّقٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَهَلْ خَالَفَك فِي هَذَا غَيْرُنَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ بَعْضُ النَّاسِ رَوَى عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏لاَ يُؤَمَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا‏}‏ قُلْت‏:‏ فَمَا كَانَتْ حُجَّتُك عَلَيْهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَدْ عَلِمَ الَّذِي احْتَجَّ بِهَذَا أَنْ لَيْسَتْ فِيهِ حُجَّةٌ‏,‏ وَأَنَّ هَذَا حَدِيثٌ لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ بِحَالٍ عَلَى شَيْءٍ‏,‏ وَلَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنْ قُلْت‏:‏ لَمْ يَعْمَلْ بِهَذَا أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَدْ بَيَّنَّا لَك قَبْلَ هَذَا مَا نَرَى أَنَّا وَأَنْتُمْ نُثْبِتُ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ بَعْدَهُ اسْتَغْنَاهُ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا سِوَاهُ فَلاَ حَاجَةَ لَنَا بِإِعَادَتِهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَهَلْ قَالَ قَوْلَك هَذَا أَحَدٌ مِنْ الْمَشْرِقِيِّينَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ فِيهِ بِقَوْلِنَا وَيُخَالِفُهُ صَاحِبَاهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ أَفَرَأَيْت حَدِيثَهُمْ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا يَثْبُتُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لاَ فَقُلْت‏:‏ فَلِمَ يَحْتَجُّونَ بِهِ‏؟‏ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ‏,‏ فَأَمَّا الَّذِي احْتَجَّ بِهِ عَلَيْهَا فَسَأَلْنَاهُ عَنْهُ فَقَالَ‏:‏ لاَ يَثْبُتُ‏;‏ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَلِأَنَّهُ عَنْ رَجُلٍ يَرْغَبُ النَّاسُ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فَقُلْت فَهَذَا سُوءُ نَصَفَةٍ ‏(‏فَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏)‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَجَلْ‏,‏ وَأَنْتُمْ أَسْوَأُ مِنْهُ نَصَفَةً حِينَ لاَ تَعْتَدُّونَ بِحَدِيثِهِمْ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ وَتُخَالِفُونَ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ مُخَالِفَ لَهُ عَنْهُ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلاَةِ

قَالَ سَأَلْت الشَّافِعِيَّ‏:‏ أَيْنَ تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي الصَّلاَةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَرْفَعُ الْمُصَلِّي يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ‏,‏ وَفِيمَا سِوَاهَا مِنْ الصَّلاَةِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلاَةَ مَعَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ قَوْلِهِ ‏"‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ‏"‏ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلاَ تَكْبِيرَةَ لِلِافْتِتَاحِ إلَّا فِي الْأَوَّلِ وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَكْبِيرُ رُكُوعٍ‏,‏ وَقَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ فِي كُلِّ صَلاَةٍ‏,‏ وَالْحُجَّةُ فِي هَذَا أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ‏,‏ وَكَانَ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَإِذَا أَرَادَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلاَ يَرْفَعُ فِي السُّجُودِ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَرَوَى هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَةَ عَشْرَ رَجُلاً

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ وَحِينَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَعَ وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ‏}‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ قَدِمْت عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ فَرَأَيْتهمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الْبَرَانِسِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا ابْتَدَأَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ‏,‏ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ‏:‏ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلاَةَ ثُمَّ لاَ يَعُودُ لِرَفْعِهِمَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَأَنْتُمْ إذًا تَتْرُكُونَ مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَكَيْفَ جَازَ لَكُمْ لَوْ لَمْ تَعْلَمُوا عِلْمًا إلَّا أَنْ تَكُونُوا رَوَيْتُمْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلاَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا‏؟‏ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرَّتَيْنِ فَاتَّبَعْتُمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إحْدَاهُمَا وَتَرَكْتُمْ اتِّبَاعَهُ فِي الْأُخْرَى‏,‏ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَتْبَعَ أَحَدٌ أَمْرَيْهِ دُونَ الْآخَرِ جَازَ لِرَجُلٍ أَنْ يَتْبَعَ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ تَرَكْتُمُوهُ وَيَتْرُكُهُ حَيْثُ اتَّبَعْتُمُوهُ وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ عَلِمَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عِنْدِي أَنْ يَتْرُكَهُ إلَّا نَاسِيًا أَوْ سَاهِيًا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَمَا مَعْنَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ مِثْلُ مَعْنَى رَفْعِهِمَا عِنْدَ الِافْتِتَاحِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَسُنَّةً مُتَّبَعَةً يُرْجَى فِيهَا ثَوَابُ اللَّهِ‏,‏ وَمِثْلُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَغَيْرِهِمَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَرَأَيْت إذَا كُنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ شَيْئًا فَتَتَّخِذُونَهُ أَصْلاً يُبْنَى عَلَيْهِ فَوَجَدْتُمْ ابْنَ عُمَرَ يَفْعَلُ شَيْئًا فِي الصَّلاَةِ فَتَرَكْتُمُوهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ مَا وَصَفْتُمْ مِنْ اتِّخَاذِ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ مُنْفَرِدًا حُجَّةً ثُمَّ تَتْرُكُونَ مَعَهُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَثْبُتُ رِوَايَتُهُ‏؟‏ مَنْ جَهِلَ هَذَا انْبَغَى أَنْ لاَ يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيمَا هُوَ أَدَقُّ مِنْ الْعِلْمِ قُلْت‏:‏ فَهَلْ خَالَفَك فِي هَذَا غَيْرُنَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ وَخَالَفُوكُمْ فَقَالُوا‏:‏ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ أُذُنَيْهِ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلاَةِ فَقُلْت‏:‏ هَلْ رَوَوْا فِيهِ شَيْئًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ مَا لاَ نُثْبِتُ نَحْنُ وَلاَ أَنْتُمْ وَلاَ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ مِثْلَهُ‏,‏ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ يَذْهَبُونَ مَذْهَبَنَا فِي رَفْعِ الْأَيْدِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي الصَّلاَةِ فَتُخَالِفُهُمْ مَعَ خِلاَفِكُمْ السُّنَّةَ وَأَمْرَ الْعَامَّةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

بَابُ الْجَهْرِ بِآمِينَ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْإِمَامِ إذَا قَالَ‏:‏ ‏{‏غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ‏}‏ هَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِآمِينَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ وَيَرْفَعُ بِهَا مَنْ خَلْفَهُ أَصْوَاتَهُمْ فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْت مِنْ هَذَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ‏}‏ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ آمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا‏}‏ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ الْإِمَامَ أَنْ يَجْهَرَ بِآمِينَ‏;‏ لِأَنَّ مَنْ خَلْفَهُ لاَ يَعْرِفُ وَقْتَ تَأْمِينِهِ إلَّا بِأَنْ يَسْمَعَ تَأْمِينَهُ ثُمَّ بَيَّنَهُ ابْنُ شِهَابٍ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ آمِينَ‏}‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِآمِينَ فَقَالَ‏:‏ هَذَا خِلاَفُ مَا رَوَى صَاحِبُنَا وَصَاحِبُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ عِلْمٌ إلَّا هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ مَالِكٍ انْبَغَى أَنْ نَسْتَدِلَّ بِأَنَّ‏:‏ ‏{‏رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِآمِينَ وَأَنَّهُ أَمَرَ الْإِمَامَ أَنْ يَجْهَرَ بِهَا‏}‏ فَكَيْفَ وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ‏؟‏‏.‏ وَرَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ آمِينَ يَجْهَرُ بِهَا صَوْتُهُ‏}‏ وَيَحْكِي مَطَّهُ إيَّاهَا وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ لِلْإِمَامِ‏:‏ لاَ تَسْبِقْنِي بِآمِينَ‏,‏ وَكَانَ يُؤْذَنُ لَهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ كُنْت أَسْمَعُ الْأَئِمَّةَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَمَنْ بَعْدَهُ يَقُولُونَ‏:‏ آمِينَ وَمَنْ خَلْفَهُمْ آمِينَ حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلُجَّةً

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رَأَيْتُك فِي مَسْأَلَةِ إمَامَةِ الْقَاعِدِ وَمَسْأَلَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلاَةِ وَمَسْأَلَةِ قَوْلِ الْإِمَامِ آمِينَ خَرَجْت مِنْ السُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَوَافَقْت مُنْفَرِدًا مِنْ بَعْضِ الْمَشْرِقِيِّينَ الَّذِينَ تَرْغَبُ فِيمَا يَظْهَرُ عَنْ أَقَاوِيلِهِمْ‏.‏

بَابُ سُجُودِ الْقُرْآن

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ السُّجُودِ فِي‏:‏ ‏{‏إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ‏}‏‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ فِيهَا سَجْدَةٌ فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ أَنَّ فِيهَا سَجْدَةً‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَرَأَ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ‏}‏ فَسَجَدَ فِيهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِيهَا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى‏}‏ فَسَجَدَ فِيهَا ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَرَ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ أَنْ يَأْمُرَ الْقُرَّاءَ أَنْ يَسْجُدُوا فِي‏:‏ ‏{‏إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ‏}‏ وَسَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ السُّجُودِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ فَقَالَ‏:‏ فِيهَا سَجْدَتَانِ فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَجَدَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَجَدَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ إنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فَضُلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ‏:‏ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ سُجُودَ الْقُرْآنِ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَقُولُوا اجْتَمَعَ النَّاسُ إلَّا لِمَا إذَا لَقِيَ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَهُمْ‏:‏ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى مَا قُلْتُمْ إنَّهُمْ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ وَكَانَ أَقَلَّ قَوْلِهِمْ لَك أَنْ يَقُولُوا‏:‏ لاَ نَعْلَمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالِفًا فِيمَا قُلْتُمْ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ تَقُولُوا اجْتَمَعَ النَّاسُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ مَعَكُمْ يَقُولُونَ‏:‏ مَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَأَمْرَانِ أَسَأْتُمْ النَّظَرَ بِهِمَا لِأَنْفُسِكُمْ فِي التَّحَفُّظِ فِي الْحَدِيثِ وَأَنْ تَجْعَلُوا السَّبِيلَ لِمَنْ سَمِعَ قَوْلَكُمْ اجْتَمَعَ النَّاسُ إلَى رَدِّ قَوْلِكُمْ وَلاَ سِيَّمَا إذْ كُنْتُمْ إنَّمَا أَنْتُمْ مُعْتَضِدُونَ عَلَى عِلْمِ مَالِكٍ رحمه الله وَإِيَّاهُ وَكُنْتُمْ تَرْوُونَ‏:‏ ‏{‏عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَجَدَ فِي‏:‏ ‏{‏إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ‏}‏‏}‏ وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سَجَدَ فِيهَا ثُمَّ تَرْوُونَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ أَمَرَ مَنْ يَأْمُرُ الْقُرَّاءَ أَنْ يَسْجُدُوا فِيهَا‏.‏ ‏(‏قَالَ‏)‏‏:‏ وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَصْلاً مِنْ أُصُولِ الْعِلْمِ فَتَقُولُونَ‏:‏ كَانَ لاَ يَحْلِفُ الرَّجُلُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ فَتَرَكْتُمْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي‏,‏ وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏}‏ لِقَوْلِ عُمَرَ ثُمَّ تَجِدُونَ عُمَرَ يَأْمُرُ بِالسُّجُودِ فِي‏:‏ ‏{‏إذَا السَّمَاءِ انْشَقَّتْ‏}‏ وَمَعَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْيُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَتَتْرُكُونَهُ‏,‏ وَلَمْ تُسَمُّوا أَحَدًا خَالَفَ هَذَا وَهَذَا عِنْدَكُمْ الْعِلْمُ‏;‏ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَمَانِهِ ثُمَّ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الصَّحَابَةِ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي التَّابِعِينَ وَالْعَمَلُ يَكُونُ عِنْدَكُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ وَحْدَهُ وَأَقَلُّ مَا يُؤْخَذُ عَلَيْكُمْ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ‏:‏ كَيْفَ زَعَمْتُمْ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سَجَدَ فِي‏:‏ ‏{‏إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ‏}‏ وَأَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِالسُّجُودِ فِيهَا‏,‏ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَجَدَ فِي النَّجْمِ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا أَنْ لاَ سُجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ وَهَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ‏,‏ وَهَذَا مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ فَيُقَالُ‏:‏ قَوْلُكُمْ اجْتَمَعَ النَّاسُ لِمَا تَحْكُونَ فِيهِ غَيْرَ مَا قُلْتُمْ بَيِّنٌ فِي قَوْلِكُمْ أَنْ لَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ ثُمَّ رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ سَجَدَ فِي النَّجْمِ ثُمَّ لاَ تَرْوُونَ عَنْ غَيْرِهِ خِلاَفَهُ ثُمَّ رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا سَجَدَا فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَتَقُولُونَ‏:‏ لَيْسَ فِيهَا إلَّا وَاحِدَةٌ وَتَزْعُمُونَ أَنَّ النَّاسَ أَجْمَعُوا أَنْ لَيْسَ فِيهَا إلَّا وَاحِدَةٌ ثُمَّ تَقُولُونَ‏:‏ أَجْمَعَ النَّاسُ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ خِلاَفَ مَا تَقُولُونَ‏.‏ وَهَذَا لاَ يُعْذَرُ أَحَدٌ بِأَنْ يَجْهَلَهُ وَلاَ يَرْضَى أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِمَّا لاَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ يَعْقِلُ إذَا سَمِعَهُ أَرَأَيْت إذَا قِيلَ لَكُمْ‏:‏ أَيُّ النَّاسِ أَجْمَعَ عَلَى أَنْ لاَ سُجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ‏,‏ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْ أَئِمَّةِ النَّاسِ السُّجُودَ فِيهِ وَلاَ تَرْوُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلاَفَهُمْ أَلَيْسَ تَقُولُونَ‏:‏ أَجْمَعَ النَّاسُ أَنَّ فِي الْمُفَصَّلِ سُجُودًا أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْ تَقُولُوا‏:‏ أَجْمَعَ النَّاسُ أَنْ لاَ سُجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ‏؟‏ فَإِنْ قُلْتُمْ‏:‏ لاَ يَجُوزُ إذَا لَمْ نَعْلَمْهُمْ أَجْمَعُوا أَنْ نَقُولَ‏:‏ أَجْمَعُوا فَقَدْ قُلْتُمْ‏:‏ أَجْمَعُوا‏,‏ وَلَمْ تَرْوُوا عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَوْلَكُمْ‏,‏ وَلاَ أَدْرِي مَنْ النَّاسُ عِنْدَكُمْ أَخَلْقٌ كَانُوا لَمْ يُسَمَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ‏,‏ وَمَا ذَهَبْنَا بِالْحُجَّةِ عَلَيْكُمْ إلَّا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا جَعَلْنَا الْإِجْمَاعَ إلَّا إجْمَاعَهُمْ فَأَحْسِنُوا النَّظَرَ لِأَنْفُسِكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ تَقُولُوا‏:‏ أَجْمَعَ النَّاسُ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى لاَ يَكُونَ بِالْمَدِينَةِ مُخَالِفٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَكِنْ قُولُوا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ‏:‏ اخْتَرْنَا كَذَا‏,‏ وَلاَ تَدَّعُوا الْإِجْمَاعَ فَتَدَّعُوا مَا يُوجَدُ عَلَى أَلْسِنَتِكُمْ خِلاَفُهُ فَمَا أَعْلَمُهُ يُؤْخَذُ عَلَى أَحَدٍ نُسِبَ إلَى عِلْمٍ أَقْبَحَ مِنْ هَذَا قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ أَرَأَيْت إنْ كَانَ قَوْلِي اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَعْنِي مَنْ رَضِيت مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَفَرَأَيْتُمْ إنْ قَالَ مَنْ يُخَالِفُكُمْ وَيَذْهَبُ إلَى قَوْلِ مَنْ خَالَفَ قَوْلَ مَنْ أَخَذْت بِقَوْلِهِ أَجْمَعَ النَّاسُ أَيَكُونُ صَادِقًا فَإِنْ كَانَ صَادِقًا‏,‏ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ يُخَالِفُكُمَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى قَوْلٍ فَإِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ مَعًا بِالتَّأْوِيلِ فَبِالْمَدِينَةِ إجْمَاعٌ مِنْ ثَلاَثَةِ وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ وَإِنْ قُلْتُمْ الْإِجْمَاعُ هُوَ ضِدُّ الْخِلاَفِ فَلاَ يُقَالُ‏:‏ إجْمَاعٌ إلَّا لِمَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بِالْمَدِينَةِ قُلْت‏:‏ هَذَا الصِّدْقُ الْمَحْضُ فَلاَ تُفَارِقْهُ‏,‏ وَلاَ تَدَّعُوا الْإِجْمَاعَ أَبَدًا إلَّا فِيمَا لاَ يُوجَدُ بِالْمَدِينَةِ فِيهِ اخْتِلاَفٌ‏,‏ وَهُوَ لاَ يُوجَدُ بِالْمَدِينَةِ إلَّا وُجِدَ بِجَمِيعِ الْبُلْدَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مُتَّفِقِينَ فِيهِ لَمْ يُخَالِفْ أَهْلُ الْبُلْدَانِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ إلَّا مَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَيْنَهُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَاجْعَلْ مَا وَصَفْنَا عَلَى هَذَا الْبَابِ كَافِيًا لَك دَالًّا عَلَى مَا سِوَاهُ إذَا أَرَدْت أَنْ تَقُولَ‏:‏ أَجْمَعَ النَّاسُ فَإِنْ كَانُوا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ فَقُلْهُ‏,‏ وَإِنْ كَانُوا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَلاَ تَقُلْهُ فَإِنَّ الصِّدْقَ فِي غَيْرِهِ‏.‏

بَابُ الصَّلاَةِ فِي الْكَعْبَةِ

وَسَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ الْمَكْتُوبَةَ فَقَالَ‏:‏ يُصَلِّي فِيهَا الْمَكْتُوبَةَ وَالنَّافِلَةَ وَإِذَا صَلَّى الرَّجُلُ وَحْدَهُ فَلاَ مَوْضِعَ يُصَلِّي فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الْكَعْبَةِ فَقُلْت‏:‏ أَفَيُصَلِّي فَوْقَ ظَهْرِهَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ إنْ كَانَ بَقِيَ فَوْقَ ظَهْرِهَا مِنْ الْبِنَاءِ شَيْءٌ يَكُونُ سُتْرَةً صَلَّى فَوْقَ ظَهْرِهَا الْمَكْتُوبَةَ وَالنَّافِلَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ عَلَيْهِ بِنَاءٌ يَسْتُرُ الْمُصَلِّيَ لَمْ يُصَلِّ إلَى غَيْرِ شَيْءٍ مِنْ الْبَيْتِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَمَا الْحُجَّةُ فِيمَا ذَكَرْت‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ ‏{‏عَنْ بِلاَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ‏}‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَهَلْ خَالَفَك فِي هَذَا غَيْرُك‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ دَخَلَ أُسَامَةُ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَقَالَ أُسَامَةُ نَظَرَ فَإِذَا هُوَ إذَا صَلَّى فِي الْبَيْتِ فِي نَاحِيَةٍ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْبَيْتِ لِظَهْرِهِ فَكَرِهَ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ الْبَيْتِ لِظَهْرِهِ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْبَيْتِ وَلَمْ يُصَلِّ فَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ لاَ تَصْلُحُ الصَّلاَةُ فِي الْكَعْبَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهَذِهِ الْعِلَّةِ‏,‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَمَا حُجَّتُك عَلَيْهِمْ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ قَالَ بِلاَلٌ صَلَّى وَكَانَ مَنْ قَالَ صَلَّى شَاهِدًا‏,‏ وَمَنْ قَالَ لَمْ يُصَلِّ لَيْسَ بِشَاهِدٍ فَأَخَذْنَا بِقَوْلِ بِلاَلٍ وَكَانَتْ الْحُجَّةُ الثَّابِتَةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ خَارِجًا مِنْ الْبَيْتِ إنَّمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْهُ مَوْضِعَ مُتَوَجَّهِهِ لاَ كُلَّ جُدْرَانِهِ فَكَذَلِكَ الَّذِي فِي بَطْنِهِ يَسْتَقْبِلُ مَوْضِعَ مُتَوَجَّهِهِ لاَ كُلَّ جُدْرَانِهِ‏,‏ وَمَنْ كَانَ الْبَيْتُ مُشْتَمِلاً عَلَيْهِ فَكَانَ يَسْتَقْبِلُ مَوْضِعَ مُتَوَجَّهِهِ كَمَا يَسْتَقْبِلُ الْخَارِجُ مِنْهُ مَوْضِعَ مُتَوَجَّهِهِ كَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَفْضَلَ مِنْ مَوْضِعِ الْخَارِجِ مِنْهُ أَيْنَ كَانَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ‏:‏ يُصَلِّي فِيهِ النَّافِلَةَ‏,‏ وَلاَ يُصَلِّي فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ هَذَا الْقَوْلُ غَايَةٌ فِي الْجَهْلِ إنْ كَانَ كَمَا قَالَ مَنْ خَالَفَنَا لاَ تُصَلَّى فِيهِ النَّافِلَةُ وَلاَ تُصَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةُ وَإِنْ كَانَ كَمَا رَوَيْتُمْ فَإِنَّ النَّافِلَةَ فِي الْأَرْضِ لاَ تَصْلُحُ إلَّا حَيْثُ تَصْلُحُ الْمَكْتُوبَةُ‏,‏ وَالْمَكْتُوبَةُ إلَّا حَيْثُ تَصْلُحُ النَّافِلَةُ أَوْ رَأَيْت الْمَوَاضِعَ الَّتِي صَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّوَافِلَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَبِالْمُحَصِّبِ وَلَمْ يُصَلِّ هُنَالِكَ مَكْتُوبَةً أَيَحْرُمُ أَنْ يُصَلِّيَ هُنَالِكَ مَكْتُوبَةً وَأَنَّ صَلاَتَهُ النَّافِلَةَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ تَجُوزُ فِيهِ‏.‏

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْوِتْرِ أَيَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ الرَّجُلُ بِوَاحِدَةٍ لَيْسَ قَبْلَهَا شَيْءٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ وَاَلَّذِي أَخْتَارُ أَنْ أُصَلِّيَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنْ يَجُوزَ بِوَاحِدَةٍ فَقَالَ‏:‏ الْحُجَّةُ فِيهِ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى‏}‏‏؟‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ‏,‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ مِنْ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ قَالَ وَكَانَ عُثْمَانُ يُحْيِي اللَّيْلَ بِرَكْعَةٍ هِيَ وِتْرُهُ وَأَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ بِوَاحِدَةٍ فَقَالَ‏:‏ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ أَصَابَ بِهِ‏,‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ‏:‏ لاَ نُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُوتِرَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ وَيُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ فَقَالَ‏:‏ الشَّافِعِيُّ لَسْت أَعْرِفُ لِمَا تَقُولُ وَجْهًا وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ إنْ كُنْتُمْ ذَهَبْتُمْ إلَى أَنَّكُمْ تَكْرَهُونَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً مُنْفَرِدَةً فَأَنْتُمْ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهَا ثُمَّ سَلَّمَ تَأْمُرُونَهُ بِإِفْرَادِ الرَّكْعَةِ‏;‏ لِأَنَّ مَنْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلاَةِ فَقَدْ فَصَلَهَا مِمَّا بَعْدَهَا أَلاَ تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ رَكَعَاتٍ فَيُسَلِّمُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَيَكُونُ كُلُّ رَكْعَتَيْنِ يُسَلِّمُ مِنْهُمَا مُنْقَطِعَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا‏,‏ وَأَنَّ السَّلاَمَ أَفْضَلُ لِلْفَصْلِ أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ فَقَضَاهُنَّ فِي مَقَامٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلاَمٍ كَانَتْ كُلُّ صَلاَةٍ غَيْرَ الصَّلاَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا لِخُرُوجِهِ مِنْ كُلِّ صَلاَةٍ بِالسَّلاَمِ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَرَدْتُمْ أَنَّكُمْ كَرِهْتُمْ أَنْ يُصَلِّيَ وَاحِدَةً‏;‏ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى أَكْثَرَ مِنْهَا‏,‏ فَإِنَّمَا نَسْتَحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ أَرَدْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى‏}‏ فَأَقَلُّ مَثْنَى أَرْبَعُ فَصَاعِدًا‏,‏ وَوَاحِدَةٌ غَيْرُ مَثْنَى وَقَدْ أَمَرَ بِوَاحِدَةٍ فِي الْوِتْرِ كَمَا أَمَرَ بِمَثْنَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ لاَ يَجْلِسُ وَلاَ يُسَلِّمُ إلَّا فِي الْآخِرَةِ مِنْهُنَّ‏}‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَمَا مَعْنَى هَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ هَذِهِ نَافِلَةٌ يَسَعُ أَنْ نُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ وَأَكْثَرَ وَنَخْتَارُ مَا وَصَفْت مِنْ غَيْرِ أَنْ نُضَيِّقَ غَيْرَهُ وَقَوْلُكُمْ - وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ - لاَ يُوَافِقُ سُنَّةً‏,‏ وَلاَ أَثَرًا‏,‏ وَلاَ قِيَاسًا‏,‏ وَلاَ مَعْقُولاً‏,‏ قَوْلُكُمْ خَارِجٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا‏,‏ وَأَقَاوِيلُ النَّاسِ إمَّا أَنْ يَقُولُوا‏:‏ لاَ يُوتِرُ إلَّا بِثَلاَثٍ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ وَلاَ يُسَلِّمُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لِئَلَّا يَكُونَ الْوِتْرُ وَاحِدَةً وَأَنْتُمْ تَأْمُرُونَ بِالسَّلاَمِ فِيهَا فَإِذَا أَمَرْتُمْ بِهِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قُلْتُمْ كَرِهْنَاهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ لَيْسَ قَبْلَهَا شَيْءٌ فَلَمْ يُوتِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاَثٍ لَيْسَ قَبْلَهُنَّ شَيْءٌ وَقَدْ اسْتَحْسَنْتُمْ أَنْ تُوتِرُوا بِثَلاَثٍ‏.‏

بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ‏:‏ بِأَيِّ شَيْءٍ تُحِبُّ أَنْ يُقْرَأَ فِي الْعِيدَيْنِ فَقَالَ‏:‏ بِ ‏"‏ ق ‏"‏ وَ‏:‏ ‏{‏اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ‏}‏ وَسَأَلْتُهُ بِأَيِّ شَيْءٍ تَسْتَحِبُّ أَنْ يُقْرَأَ فِي الْجُمُعَةِ فَقَالَ‏:‏ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ وَأَخْتَار فِي الثَّانِيَةِ‏:‏ ‏{‏إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ‏}‏ وَلَوْ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ‏}‏ أَوْ‏:‏ ‏{‏سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى‏}‏ كَانَ حَسَنًا لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَهَا كُلَّهَا فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ وَغَيْرُهُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي إثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ ‏:‏ ‏{‏إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى إثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ‏:‏ كَانَ يَقْرَأُ بِ‏:‏ ‏{‏هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ مَاذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهِ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ كَانَ يَقْرَأُ بِ‏:‏ ‏{‏ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ‏}‏ وَ‏:‏ ‏{‏اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ‏}‏‏}‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا لاَ نُبَالِي بِأَيِّ سُورَةٍ قَرَأَ فَقَالَ‏:‏ وَلِمَ لاَ تُبَالُونَ‏,‏ وَهَذِهِ رِوَايَتُكُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ فَقُلْت‏:‏ لِأَنَّهُ يُجْزِيهِ فَقَالَ‏:‏ أَوْ رَأَيْتُمْ إذْ أُمِرْنَا بِالْغُسْلِ لِلْإِهْلاَلِ وَالصَّلاَةِ فِي الْمُعَرَّسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ لَوْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ لاَ نَسْتَحِبُّهُ أَوْ لاَ نُبَالِي أَنْ لاَ نَفْعَلَهُ‏;‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا كَهِيَ عَلَيْكُمْ‏؟‏ أَوْ رَأَيْتُمْ إذَا اسْتَحْبَبْنَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ‏,‏ وَأَنْ يُطِيلَ فِي الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ‏,‏ وَيُخَفِّفَ فِي الْمَغْرِبِ لَوْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ لاَ أُبَالِي أَنْ لاَ أَفْعَلَ مِنْ هَذَا شَيْئًا هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَقُولَ‏:‏ قَوْلُكُمْ‏:‏ لاَ أُبَالِي جَهَالَةٌ وَتَرْكٌ لِلسُّنَّةِ‏؟‏ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَحِبُّوا مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ بِكُلِّ حَالٍ‏.‏

بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ‏}‏ قَالَ مَالِكٌ‏:‏ أَرَى ذَلِكَ فِي مَطَرٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَزَعَمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ عِنْدَكُمْ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ فِي مَطَرٍ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنْتُمْ أَنَّكُمْ تَجْمَعُونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ وَكُلِّ بَلَدٍ جَامِعٍ‏,‏ وَلاَ تَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الْمَطَرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنَّمَا ذَهَبَ النَّاسُ فِي هَذَا مَذَاهِبَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ‏:‏ جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ تَوْسِعَةً عَلَى أُمَّتِهِ لِئَلَّا يُحْرَجَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إنْ جَمَعَ بِحَالٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَأَوَّلَ فِي الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَقَالَتْ فِرْقَةٌ‏:‏ نُوهِنُ هَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ فِي الصَّلاَةِ فَكَانَ هَذَا خِلاَفًا لِمَا رَوَوْا مِنْ أَمْرِ الْمَوَاقِيتِ فَرَدُّوا أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ فِي الْحَضَرِ فِي مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَامْتَنَعُوا مِنْ تَثْبِيتِهِ وَقَالُوا‏:‏ خَالَفَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَقَالُوا‏:‏ لَوْ ثَبَتْنَاهُ لَزِمَنَا مِثْلُ قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ يُجْمَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ مَطَرٍ وَلاَ غَيْرِهِ‏,‏ بَلْ قَالَ‏:‏ مَنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ أَرَادَ أَنْ لاَ تُحْرَجَ أُمَّتُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَذَهَبْتُمْ‏,‏ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَكُمْ الْمَذْهَبَ الَّذِي وَصَفْت مِنْ الِاحْتِجَاجِ فِي الْجَمْعِ فِي الْمَطَرِ وَرَأَى أَنَّ وَجْهَ الْحَدِيثِ هُوَ الْجَمْعُ فِي الْمَطَرِ ثُمَّ خَالَفْتُمُوهُ فِي الْجَمْعِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الْمَطَرِ أَرَأَيْتُمْ إنْ قَالَ لَكُمْ قَائِلٌ‏:‏ بَلْ نَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الْمَطَرِ‏,‏ وَلاَ نَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا كَانَتْ فِيهِ الْحُجَّةُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْخَذَ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ‏؟‏ فَكَذَلِكَ هِيَ عَلَى مَنْ قَالَ‏:‏ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ‏,‏ وَقَلَّمَا نَجِدُ لَكُمْ قَوْلاً يَصِحُّ‏,‏ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ أَرَأَيْتُمْ إذَا رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَاحْتَجَجْتُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَكُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ هَلْ تَعُدُّونَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ بِهَذَا حُجَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ لَكُمْ بِهِ حُجَّةٌ فَعَلَيْكُمْ فِيهِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِكُمْ الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ بِهَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَكُمْ فَلاَ تَجْمَعُوا بَيْنَ ظُهْرٍ وَلاَ عَصْرٍ وَلاَ مَغْرِبٍ وَلاَ عِشَاءٍ لاَ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا‏,‏ وَأَنْتُمْ خَارِجُونَ مِنْ الْحَدِيثِ‏,‏ وَمِنْ مَعَانِي مَذَاهِبِ أَهْلِ الْعِلْمِ كُلِّهَا‏,‏ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ أَوْ رَأَيْتُمْ إذْ رَوَيْتُمْ الْجَمْعَ فِي السَّفَرِ لَوْ قَالَ قَائِلٌ كَمَا قُلْتُمْ‏:‏ أَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ‏;‏ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ جَاءَتْ فِيهِ وَلاَ أَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهُمَا فِي النَّهَارِ وَاللَّيْلِ أَهْوَلُ مِنْ النَّهَارِ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ فِيهَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ أَحَدٌ مِنْ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَكَذَلِكَ هِيَ عَلَيْكُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

بَابُ إعَادَةِ الْمَكْتُوبَةِ مَعَ الْإِمَامِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ ثُمَّ يُدْرِكُ الصَّلاَةَ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ‏:‏ يُصَلِّي مَعَهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ‏:‏ ‏{‏عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ بُسْرُ بْنُ مِحْجَنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُذِّنَ بِالصَّلاَةِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ فَصَلَّى وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ‏؟‏ أَلَسْت بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنِّي قَدْ صَلَّيْت فِي أَهْلِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا جِئْت فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ‏,‏ وَإِنْ كُنْت قَدْ صَلَّيْت‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَوْ الصُّبْحَ ثُمَّ أَدْرَكَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ فَلاَ يُعِدْهُمَا‏,‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ‏:‏ يُعِيدُ كُلَّ صَلاَةٍ إلَّا الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ إذَا أَعَادَ لَهَا صَارَتْ شَفْعًا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ رَوَيْتُمْ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخُصَّ فِيهِ صَلاَةً دُونَ صَلاَةٍ فَلَمْ يَحْتَمِلْ الْحَدِيثُ إلَّا وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَظْهَرُهُمَا أَنْ يُعِيدَ كُلَّ صَلاَةٍ بِطَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعَةُ اللَّهِ أَنْ يُوفِيَهُ أَجْرَ الْجَمَاعَةِ وَالِانْفِرَادِ وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُمَا أَمَرَا مَنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ أَنْ يَعُودَ لِصَلاَتِهِ مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ السَّائِلُ‏:‏ أَيَّتَهُمَا أَجْعَلُ صَلاَتِي‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَوْ ذَلِكَ إلَيْك‏؟‏ إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ وَقَالَ‏:‏ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَهُ سَهْمُ جَمْعٍ أَوْ مِثْلُ سَهْمِ جَمْعٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِهَذَا لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةٌ‏,‏ وَأَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ الصَّلاَةَ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَيْنِ أَنْ يَعُودَا لَهَا صَلاَةُ الصُّبْحِ أَوْ يَقُولُ رَجُلٌ‏:‏ إنْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ أَوْ الصُّبْحَ لَمْ يُعِدْ لَهُمَا‏;‏ لِأَنَّهُ لاَ نَافِلَةَ بَعْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَهَكَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ وَأَمَّا مَا قُلْتُمْ فَخِلاَفُ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ‏,‏ وَخِلاَفُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَيْنَ الْعَمَلُ‏؟‏ وَقَوْلُكُمْ إذَا أَعَادَ الْمَغْرِبَ صَارَتْ شَفْعًا فَكَيْفَ تَصِيرُ شَفْعًا وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِسَلاَمٍ أَتَرَى الْعَصْرَ حِينَ صَلَّيْت بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ شَفْعًا أَوْ الْعَصْرَ وِتْرًا أَوْ تَرَى كَذَلِكَ الْعِشَاءَ إذَا صَلَّيْت بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَوْ تَرَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ أَوْ قَبْلَ الْمَغْرِبِ تَصِيرَانِ وِتْرًا بِأَنَّ الْمَغْرِبَ قَبْلَهُمَا أَوْ بَعْدَهُمَا أَمْ كُلُّ صَلاَةٍ فُصِلَتْ بِسَلاَمٍ مُفَارِقَةٌ لِلصَّلاَةِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا‏؟‏ وَلَوْ كُنْتُمْ قُلْتُمْ يَعُودُ لِلْمَغْرِبِ وَيَشْفَعُهَا بِرَكْعَةٍ فَيَكُونُ تَطَوُّعٌ بِأَرْبَعٍ كَانَ مَذْهَبًا فَأَمَّا مَا قُلْتُمْ فَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ‏.‏

بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ ‏{‏سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِبِ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ‏:‏ ‏{‏عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ سَمِعَتْهُ يَقْرَأُ‏:‏ ‏{‏وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا‏}‏ فَقَالَتْ‏:‏ يَا بُنَيَّ لَقَدْ ذَكَّرْتنِي بِقِرَاءَتِك هَذِهِ السُّورَةَ إنَّهَا لاَخِرُ مَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ‏}‏‏؟‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَالْمُرْسَلاَتِ‏,‏ وَنَقُولُ‏:‏ يَقْرَأُ بِأَقْصَرَ مِنْهُمَا فَقَالَ‏:‏ وَكَيْفَ تَكْرَهُونَ مَا رَوَيْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ‏؟‏ الْأَمْرُ رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَالِفُهُ فَاخْتَرْتُمْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى‏؟‏ أَوْ رَأَيْتُمْ لَوْ لَمْ أَسْتَدِلَّ عَلَى ضَعْفِ مَذْهَبِكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا أَنَّكُمْ تَرْوُونَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ تَقُولُونَ نَكْرَهُهُ وَلَمْ تَرْوُوا غَيْرَهُ فَأَقُولُ‏:‏ إنَّكُمْ اخْتَرْتُمْ غَيْرَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ أَحْسَنَ حَالِكُمْ أَنَّكُمْ قَلِيلُو الْعِلْمِ ضُعَفَاءُ الْمَذْهَبِ‏.‏

بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ أَتَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ تُسِرُّ‏؟‏ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أُحِبُّ ذَلِكَ‏,‏ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَقُلْت‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِيهِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ نَسِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ قَيْسَ بْنَ الْحَارِثِ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَصَلَّى وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فَدَنَوْت مِنْهُ حَتَّى إنَّ ثِيَابِي لَتَكَادُ تَمَسُّ ثِيَابَهُ فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِهَذِهِ الآيَةِ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّك أَنْتَ الْوَهَّابُ‏}‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَكْرَهُ هَذِهِ وَنَقُولُ‏:‏ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ لاَ يَقْرَأُ عَلَى إثْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ بِشَيْءٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ‏:‏ لَمَّا سَمِعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِهَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ‏:‏ إنْ كُنْت لَعَلَى غَيْرِ هَذَا حَتَّى سَمِعْت بِهَذَا فَأَخَذْت بِهِ قَالَ‏:‏ فَهَلْ تَرَكْتُمْ لِلْعَمَلِ عَمَلَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ جَمِيعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِسُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ‏:‏ وَكَانَ يَقْرَأُ أَحْيَانَا بِالسُّورَتَيْنِ وَالثَّلاَثِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ فِي صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نُخَالِفُ هَذَا كُلَّهُ وَنَقُولُ‏:‏ لاَ يُزَادُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ هَذَا خِلاَفُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَتِكُمْ وَخِلاَفُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَقَوْلُكُمْ لاَ يَجْمَعُ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ هُوَ خِلاَفُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَتِكُمْ‏,‏ وَخِلاَفُ عُمَرَ مِنْ رِوَايَتِكُمْ لِأَنَّكُمْ أَخْبَرْتُمْ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ بِالنَّجْمِ فَسَجَدَ فِيهَا ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى وَخِلاَفُ غَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِكُمْ فَأَيْنَ الْعَمَلُ مَا نَرَاكُمْ رَوَيْتُمْ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا إلَّا خَالَفْتُمُوهُ فَمَنْ اتَّبَعْتُمْ مَا أُرَاكُمْ قُلْتُمْ بِمَعْنًى نَعْرِفُهُ إذَا كُنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْ أَحَدٍ الشَّيْءَ مَرَّةً فَتَبْنُونَ عَلَيْهِ أَيَسَعُكُمْ أَنْ تُخَالِفُوهُمْ مُجْمِعِينَ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا‏.‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ إنَّا نُخَالِفُ هَذَا‏,‏ نَقُولُ‏:‏ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا‏;‏ لِأَنَّ هَذَا تَثْقِيلٌ عَلَى النَّاسِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ‏:‏ صَلَّيْنَا وَرَاءَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةِ يُوسُفَ وَسُورَةِ الْحَجِّ قِرَاءَةً بَطِيئَةً فَقُلْت‏:‏ وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ إذًا يَقُومَ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ قَالَ‏:‏ أَجَلْ‏.‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ لاَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِهَذَا وَلاَ بِقَدْرِ نِصْفِ هَذَا‏;‏ لِأَنَّهُ تَثْقِيلٌ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ الْفُرَافِصَةُ بْنِ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ مَا أَخَذْت سُورَةَ يُوسُفَ إلَّا مِنْ قِرَاءَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ إيَّاهَا فِي الصُّبْحِ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدِّدُهَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ لاَ يَقْرَأُ بِهَذَا هَذَا تَثْقِيلٌ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ بِالْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ الْفَصْلِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةٌ‏,‏ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ لاَ يَقْرَأُ بِهَذَا فِي السَّفَرِ هَذَا تَثْقِيلٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَقَدْ خَالَفْتُمْ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ كُلَّ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ تَرْوُوا شَيْئًا يُخَالِفُ مَا خَالَفْتُمْ عَنْ أَحَدٍ عَلِمْتُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَيْنَ الْعَمَلُ‏؟‏ خَالَفْتُمُوهُمْ مِنْ جِهَتَيْنِ‏:‏ مِنْ جِهَةِ التَّثْقِيلِ وَجِهَةِ التَّخْفِيفِ وَقَدْ خَالَفْتُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعَ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ الْأَئِمَّةِ بِالْمَدِينَةِ بِلاَ رِوَايَةٍ رَوَيْتُمُوهَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ ضَعْفَ مَذْهَبِكُمْ‏;‏ إذْ رَوَيْتُمْ هَذَا ثُمَّ خَالَفْتُمُوهُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَكُمْ فِيهِ حُجَّةٌ فَقَدْ خَالَفْتُمْ الْأَئِمَّةَ وَالْعَمَلَ‏,‏ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّكُمْ لَمْ تَجِدُوا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ خَلْقًا قَطُّ يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ وَلاَ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ شَيْئًا ثُمَّ يُخَالِفُهُ غَيْرُكُمْ وَأَنَّهُ لاَ خَلْقَ أَشَدُّ خِلاَفًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْكُمْ ثُمَّ خِلاَفُكُمْ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ وَمَا رَوَيْتُمْ عَنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ لاَ تَجِدُونَ مِثْلَهُمْ فَلَوْ قَالَ لَكُمْ قَائِلٌ‏:‏ أَنْتُمْ أَشَدُّ النَّاسِ مُعَانَدَةً لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَجَدَ السَّبِيلَ إلَى أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَكُمْ عَلَى لِسَانِكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ عَنْكُمْ ثُمَّ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ فِي خِلاَفِكُمْ أَعْظَمُ مِنْهَا عَلَى غَيْرِكُمْ لِأَنَّكُمْ ادَّعَيْتُمْ الْقِيَامَ بِعِلْمِهِمْ وَاتِّبَاعِهِمْ دُونَ غَيْرِكُمْ ثُمَّ مَنْ خَالَفْتُمُوهُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا خَالَفَهُمْ بِهِ مَنْ لَمْ يَدَّعِ مِنْ اتِّبَاعِهِمْ مَا ادَّعَيْتُمْ فَلَئِنْ كَانَ هَذَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إنَّ فِيكُمْ لَغَفْلَةً مَا يَجُوزُ لَكُمْ مَعَهَا أَنْ تُفْتُوا خَلْقًا‏,‏ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ‏,‏ وَأُرَاكُمْ قَدْ تَكَلَّفْتُمْ الْفُتْيَا وَتَطَاوَلْتُمْ عَلَى غَيْرِكُمْ مِمَّنْ هُوَ أَقْصَد وَأَحْسَنُ مَذْهَبًا مِنْكُمْ‏.‏

بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ يُطْبِقُ عَلَيْهَا الدَّمُ دَهْرَهَا فَقَالَ‏:‏ إنَّ الِاسْتِحَاضَةَ وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنْ تُسْتَحَاضَ الْمَرْأَةُ فَيَكُونُ دَمُهَا مُشْتَبِهًا لاَ يَنْفَصِلُ إمَّا ثَخِينٌ كُلُّهُ وَإِمَّا رَقِيقٌ كُلُّهُ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا نَظَرْت عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَتَرَكَتْ الصَّلاَةَ فِيهِنَّ إنْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ تَرَكَتْ الصَّلاَةَ خَمْسًا مِنْ أَوَّلِهِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ حَيْضِهَا كَمَا تَغْتَسِلُ الْحَائِضُ عِنْدَ طُهْرِهَا ثُمَّ تَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ وَتُصَلِّي وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُعِيدَ الْغُسْلَ مَرَّةً أُخْرَى وَلَوْ اغْتَسَلَتْ مِنْ طُهْرٍ إلَى طُهْرٍ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا عِنْدِي وَالْمُسْتَحَاضَةُ الثَّانِيَةُ الْمَرْأَةُ لاَ تَرَى الطُّهْرَ‏:‏ فَيَكُونُ لَهَا أَيَّامٌ مِنْ الشَّهْرِ وَدَمُهَا أَحْمَرُ إلَى السَّوَادِ مُحْتَدِمٌ ثُمَّ يَصِيرُ بَعْدَ تِلْكَ الْأَيَّامِ رَقِيقًا إلَى الصُّفْرَةِ غَيْرَ مُحْتَدِمٍ فَأَيَّامُ حَيْضِ هَذِهِ أَيَّامُ احْتِدَامِ دَمِهَا وَسَوَادِهِ وَكَثْرَتِهِ فَإِذَا مَضَتْ اغْتَسَلَتْ كَغُسْلِهَا لَوْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ وَتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلاَةٍ وَصَلَّتْ‏,‏ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِيمَا ذَكَرْتَهُ مِنْ هَذَا‏؟‏ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ‏:‏ ‏{‏قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏:‏ إنِّي لاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ‏؟‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاَةَ فَإِذَا هَبَّ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْك وَصَلِّي‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهْرَاقُ الدَّمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ لِتَنْظُرْ عِدَّةَ اللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكْ الصَّلاَةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهْرِ فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّي‏}‏ قَالَ‏:‏ فَدَلَّ جَوَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ انْفِرَاقِ حَالِ الْمُسْتَحَاضَتَيْنِ وَفِي قَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَسْتَظْهِرَ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَ إحْدَاهُمَا إذَا ذَهَبَتْ مُدَّةُ الْحَيْضِ أَنْ تَغْسِلَ عَنْهَا الدَّمَ وَتُصَلِّيَ وَأَمَرَ الْأُخْرَى أَنْ تَرَبَّصَ عَدَدَ اللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ ثُمَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ‏,‏ وَالْحَدِيثَانِ جَمِيعًا يَنْفِيَانِ الِاسْتِظْهَارَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ‏:‏ تَسْتَظْهِرُ الْحَائِضُ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي‏,‏ وَنَقُولُ‏:‏ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَحَدِيثَاكُمْ اللَّذَانِ تَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ يُخَالِفَانِ الِاسْتِظْهَارَ‏,‏ وَالِاسْتِظْهَارُ خَارِجٌ مِنْ السُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَالْمَعْقُولِ وَالْقِيَاسِ وَأَقَاوِيلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقُلْت‏:‏ وَمِنْ أَيْنَ‏؟‏ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَرَأَيْتُمْ اسْتِظْهَارَهَا مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا أَمْ أَيَّامِ طُهْرِهَا‏؟‏ فَقُلْت‏:‏ هِيَ مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا فَقَالَ‏:‏ فَأَسْمَعُكُمْ عَمَدْتُمْ إلَى امْرَأَةٍ كَانَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا خَمْسًا فَطَبَقَ عَلَيْهَا الدَّمُ فَقُلْتُمْ نَجْعَلُهَا ثَمَانِيًا‏,‏ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا إذَا مَضَتْ أَيَّامُ حَيْضِهَا قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَجَعَلْتُمْ لَهَا وَقْتًا غَيْرَ وَقْتِهَا الَّذِي كَانَتْ تَعْرِفُ فَأَمَرْتُمُوهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلاَةَ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصَلِّيَ فِيهَا قَالَ‏:‏ أَفَرَأَيْتُمْ إنْ قَالَ لَكُمْ قَائِلٌ لاَ يَعْرِفُ السُّنَّةَ‏:‏ تَسْتَظْهِرُ بِسَاعَةٍ أَوْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ تَسْتَظْهِرُ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ بِأَيِّ شَيْءٍ أَنْتُمْ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ أَحَدٍ إنْ قَالَ بِبَعْضِ هَذَا الْقَوْلِ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يُوَقَّتَ الْعَدَدُ إلَّا بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ إجْمَاعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏؟‏ وَلَقَدْ وَقَّتُّمُوهُ بِخِلاَفِ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَأَكْثَرِ أَقَاوِيلِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قُلْتُمْ فِيهِ قَوْلاً مُتَنَاقِضًا فَزَعَمْتُمْ أَنَّ أَيَّامَ حَيْضِهَا إنْ كَانَتْ ثَلاَثًا اسْتَظْهَرَتْ بِمِثْلِ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَذَلِكَ ثَلاَثٌ‏,‏ وَإِنْ كَانَ أَيَّامُ حَيْضِهَا اثْنَيْ عَشَرَ اسْتَظْهَرَتْ بِمِثْلِ رُبْعِ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَذَلِكَ ثَلاَثٌ وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُ حَيْضِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَمْ تَسْتَظْهِرْ بِشَيْءٍ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمٍ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمَيْنِ فَجَعَلْتُمْ الِاسْتِظْهَارَ مَرَّةً ثَلاَثًا وَمَرَّةً يَوْمَيْنِ وَمَرَّةً يَوْمًا وَمَرَّةً لاَ شَيْءَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَهَلْ رَوَيْتُمْ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عَنْ صَاحِبِنَا شَيْئًا غَيْرَ هَذَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ شَيْئًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَشَيْئًا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَمِيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الْقَعْقَاعَ بْنَ حَكِيمٍ وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلاَهُ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِيَسْأَلَهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَقَالَ‏:‏ تَغْتَسِلُ مِنْ طُهْرٍ إلَى طُهْرٍ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ غُسْلاً وَاحِدًا ثُمَّ تَتَوَضَّأَ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلاَةٍ قَالَ مَالِكٌ‏:‏ الْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ عُرْوَةَ وَنَدَعُ قَوْلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ‏؟‏ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَتَرَكْتُمُوهُ كُلَّهُ ثُمَّ ادَّعَيْتُمْ قَوْلَ عُرْوَةَ وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ فِي بَعْضِهِ فَقُلْت وَأَيْنَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قَالَ عُرْوَةُ‏:‏ تَغْتَسِلُ غُسْلاً وَاحِدًا يَعْنِي كَمَا تَغْتَسِلُ الْمُتَطَهِّرَةُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ يَعْنِي تَوَضُّؤًا مِنْ الدَّمِ لِلصَّلاَةِ لاَ تَغْتَسِلُ مِنْ الدَّمِ إنَّمَا أُلْقِيَ عَنْهَا الْغُسْلُ بَعْدَ الْغُسْلِ الْأَوَّلِ‏,‏ وَالْغُسْلُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الدَّمِ وَجَعَلَ عَلَيْهَا الْوُضُوءَ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لاَ وُضُوءَ عَلَيْهَا فَخَالَفْتُمْ الْأَحَادِيثَ الَّتِي رَوَاهَا صَاحِبُنَا وَصَاحِبُكُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ وَأَنْتُمْ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ تَتَّبِعُونَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ خَالَفْتُمْ مَا رَوَى صَاحِبُنَا عَنْهُمْ كُلَّهُ إنَّهُ لَبَيِّنٌ فِي قَوْلِكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَتْرَكَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِجَمِيعِ أَقَاوِيلِهِمْ مِنْكُمْ مَعَ مَا تَبَيَّنَ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ مَا أَعْلَمُكُمْ ذَهَبْتُمْ إلَى قَوْلِ أَهْلِ بَلَدٍ غَيْرِهِمْ فَإِذَا انْسَلَخْتُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ وَقَوْلِ أَهْلِ الْبُلْدَانِ وَمِمَّا رَوَيْتُمْ وَرَوَى غَيْرُكُمْ‏,‏ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ فَأَيُّ مَوْضِعٍ تَكُونُونَ بِهِ عُلَمَاءَ وَأَنْتُمْ تُخْطِئُونَ مِثْلَ هَذَا وَتُخَالِفُونَ فِيهِ أَكْثَرَ النَّاسِ

بَابُ الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ غَيْرِهِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ فِي الْمَاءِ لاَ يَكُونُ فِيهِ قُلَّتَانِ أَوْ اللَّبَنِ أَوْ الْمَرَقِ قَالَ‏:‏ يُهْرَاقُ الْمَاءُ وَاللَّبَنُ وَالْمَرَقُ وَلاَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَمَا مَسَّ ذَلِكَ الْمَاءُ وَاللَّبَنُ مِنْ ثَوْبٍ وَجَبَ غَسْلُهُ لِأَنَّهُ نَجِسٌ فَقُلْت وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَكَانَ بَيِّنًا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ الْكَلْبُ يَشْرَبُ الْمَاءَ فِي الْإِنَاءِ فَيُنَجِّسُ الْإِنَاءَ حَتَّى يَجِبَ غَسْلُهُ سَبْعًا أَنَّهُ إنَّمَا يَنْجُسُ بِمُمَاسَّةِ الْمَاءِ إيَّاهُ فَكَانَ الْمَاءُ أَوْلَى بِالنَّجَاسَةِ مِنْ الْإِنَاءِ الَّذِي إنَّمَا نَجُسَ بِمُمَاسَّتِهِ‏,‏ وَكَانَ الْمَاءُ الَّذِي هُوَ طَهُورٌ إذَا نَجُسَ فَاللَّبَنُ وَالْمَرَقُ الَّذِي لَيْسَ بِطَهُورٍ أَوْلَى أَنْ يَنْجُسَ بِمَا نَجَّسَ الْمَاءَ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الْكَلْبَ إذَا شَرِبَ فِي الْإِنَاءِ فِيهِ اللَّبَنُ بِالْبَادِيَةِ شُرِبَ اللَّبَنُ وَغُسِلَ الْإِنَاءُ سَبْعًا لِأَنَّ الْكِلاَبَ لَمْ تَزَلْ بِالْبَادِيَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ هَذَا الْكَلاَمُ الْمُحَالُ أَيَعْدُو الْكَلْبُ أَنْ يَكُونَ يُنَجِّسُ مَا يَشْرَبُ مِنْهُ وَلاَ يَحِلُّ شُرْبُ النَّجَسِ وَلاَ أَكْلُهُ أَوْ لاَ يُنَجِّسُهُ فَلاَ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْهُ وَلاَ يَكُونُ بِالْبَادِيَةِ فَرْضٌ مِنْ النَّجَاسَةِ إلَّا وَبِالْقَرْيَةِ مِثْلُهُ‏,‏ وَهَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ وَالْعِلَّةِ الضَّعِيفَةِ وَأَرَى قَوْلَكُمْ‏:‏ لَمْ تَزَلْ الْكِلاَبُ بِالْبَادِيَةِ حُجَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغْسَلَ الْإِنَاءُ مِنْ شُرْبِ الْكَلْبِ سَبْعًا وَالْكِلاَبُ فِي الْبَادِيَةِ فِي زَمَانِهِ وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ إلَى الْيَوْمِ فَهَلْ زَعَمْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ دُونَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَوْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ دُونَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ‏؟‏ أَوْ زَعَمَ لَكُمْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ مَا يَنْجُسُ بِالْبَادِيَةِ وَالْقَرْيَةِ‏؟‏ أَوَرَأَيْت أَهْلَ الْبَادِيَةِ هَلْ زَعَمُوا لَكُمْ أَنَّهُمْ يُلْقُونَ أَلْبَانَهُمْ لِلْكِلاَبِ مَا تَكُونُ الْكِلاَبُ مَعَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إلَّا لَيْلاً لِأَنَّهَا تَسْرَحُ مَعَ مَوَاشِيهِمْ وَلَهُمْ أَشَحُّ عَلَى أَلْبَانِهِمْ وَأَشَدُّ لَهَا إبْقَاءً مِنْ أَنْ يُخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكِلاَبِ‏,‏ وَهَلْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ لَيْسَ يَتَنَجَّسُ بِالْكَلْبِ وَهُمْ أَشَدُّ تَحَفُّظًا مِنْ غَيْرِهِمْ أَوْ مِثْلِهِمْ أَوْ لَوْ قَالَهُ لَكُمْ مِنْهُمْ قَائِلٌ أَيُؤْخَذُ الْفِقْهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَإِنْ اعْتَلَلْتُمْ بِأَنَّ الْكِلاَبَ مَعَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ‏؟‏ أَفَرَأَيْتُمْ إنْ اعْتَلَّ عَلَيْكُمْ مِثْلُكُمْ مِنْ أَهْلِ الْغَبَاوَةِ بِأَنْ يَقُولَ‏:‏ الْفَأْرُ وَالْوَزَغَانِ وَاللُّحَكَاءُ وَالدَّوَابُّ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ أَلْزَمُ مِنْ الْكِلاَبِ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ‏,‏ وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ أَقَلُّ امْتِنَاعًا مِنْ الْفَأْرِ وَدَوَابِّ الْبُيُوتِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ مِنْ الْكِلاَبِ فَإِذَا مَاتَتْ فَأْرَةٌ أَوْ دَابَّةٌ فِي مَاءِ رَجُلٍ قَلِيلٍ أَوْ زَيْتِهِ أَوْ لَبَنِهِ أَوْ مَرَقِهِ لَمْ تُنَجِّسْهُ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الَّذِي يُنَجِّسُ فِي الْحَالِ الَّتِي يُنَجِّسُ فِيهَا يُنَجَّسُ مَا وَقَعَ فِيهِ كَانَ كَثِيرًا بِقَرْيَةٍ أَوْ بَادِيَةٍ أَوْ قَلِيلاً فَكَذَلِكَ الْكِلاَبُ بِالْبَادِيَةِ وَالْفَأْرُ وَالدَّوَابُّ بِالْقَرْيَةِ أَوْلَى أَنْ لاَ تُنَجِّسَ إنْ كَانَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ حُجَّةٌ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا رَوَى عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ التَّابِعِينَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ إلَّا بِمِثْلِ قَوْلِنَا إلَّا أَنَّ مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا مَنْ قَالَ‏:‏ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ الْكَلْبِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَكُلُّهُمْ قَالَ يَنْجُسُ جَمِيعُ مَا يَشْرَبُ مِنْهُ الْكَلْبُ مِنْ مَاءٍ وَلَبَنٍ وَمَرَقٍ وَغَيْرِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى إنَّ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي الْعِلْمِ مَنْ يَخْتَالُ فِيهِ فَيُشْبِهُ وَاَلَّذِي رَأَيْتُكُمْ تَخْتَالُونَهُ لاَ شُبْهَةَ فِيهِ وَلاَ مُؤْنَةَ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ فِي أَنَّهُ خَطَأٌ إنَّمَا يَكْفِي سَامِعُ قَوْلِكُمْ أَنْ يَسْمَعَهُ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ خَطَأٌ لاَ يَنْكَشِفُ يَتَكَلَّفُ وَلاَ بِقِيَاسٍ يَأْتِي بِهِ فَإِنْ ذَهَبْتُمْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ إذَا مَاتَتْ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ أَنْ تُطْرَحَ وَمَا حَوْلَهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى نَجَاسَتِهَا فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ تَكُونُ مِنْ الْفَأْرَةِ وَهِيَ فِي الْبُيُوتِ‏,‏ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْفَأْرَةِ قَوْلاً عَامًّا وَفِي الْكَلْبِ قَوْلاً عَامًّا فَإِنْ ذَهَبْتُمْ إلَى أَنَّ الْفَأْرَةَ تُنَجِّسُ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَلاَ تُنَجِّسُ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَدْ سَوَّيْتُمْ بَيْنَ قَوْلَيْكُمْ وَزِدْتُمْ فِي الْخَطَأِ وَإِنْ قُلْتُمْ إنَّ مَا لَمْ يُسَمَّ مِنْ الدَّوَابِّ غَيْرُ الْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ لاَ يُنَجِّسُ فَاجْعَلْ الْوَزَغَ لاَ يُنَجِّسُ‏;‏ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فَإِمَّا أَنْ تَقُولُوا الْوَزَغُ يُنَجِّسُ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ قِيَاسًا وَتَزْعُمُونَ أَنَّ الْكَلْبَ يُنَجِّسُ مَرَّةً وَلاَ يُنَجِّسُ أُخْرَى فَلاَ يَجُوزُ هَذَا الْقَوْلُ‏.‏

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْجَنَائِزِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ وَعَلَى الْقَبْرِ فَقَالَ‏:‏ أَسْتَحِبُّهَا فَقُلْت لَهُ‏:‏ وَمَا الْحُجَّةُ فِيهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏{‏نَعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ مِسْكِينَةٍ تُوُفِّيَتْ مِنْ اللَّيْلِ‏}‏ قَالَ وَقَدْ رَوَى عَطَاءٌ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَوْمٍ بِبَلَدٍ آخَرَ‏}‏ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ نَحْنُ نَكْرَهُ الصَّلاَةَ عَلَى مَيِّتٍ غَائِبٍ وَعَلَى الْقَبْرِ فَقَالَ‏:‏ فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاَةَ عَلَى النَّجَاشِيِّ وَهُوَ غَائِبٌ وَرَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ غَائِبٌ فَكَيْفَ كَرِهْتُمْ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَدْ حُفِظَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قُبُورٍ وَصَلَّتْ عَائِشَةُ عَلَى قَبْرِ أَخِيهَا وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ الثِّقَاتِ غَيْرِ مَالِكٍ وَإِنَّمَا الصَّلاَةُ دُعَاءٌ لِلْمَيِّتِ وَهُوَ إذَا كَانَ مُلَفَّفًا بَيْنَنَا يُصَلِّي عَلَيْهِ فَإِنَّمَا نَدْعُو بِالصَّلاَةِ بِوَجْهِ عِلْمِنَا فَكَيْفَ لاَ نَدْعُو لَهُ غَائِبًا وَهُوَ فِي الْقَبْرِ بِذَلِكَ الْوَجْهِ‏؟‏‏.‏

بَابُ الصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ‏:‏ ‏{‏مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ ابْنِ بَيْضَاءَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ‏}‏‏,‏ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّا نَكْرَهُ الصَّلاَةَ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ‏:‏ أَرَوَيْتُمْ هَذَا أَنَّهُ صَلَّى عَلَى عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ فَكَيْفَ كَرِهْتُمْ الْأَمْرَ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُكُمْ أَذَكَرَ حَدِيثًا خَالَفَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرْتُمْ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَقُلْت‏:‏ مَا ذَكَرَ فِيهِ شَيْئًا عَلِمْنَاهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَدَعُوا مَا رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ بِعُمَرَ وَهَذَا عِنْدَكُمْ عَمَلٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ‏;‏ لِأَنَّا لاَ نَرَى مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا حَضَرَ مَوْتَ عُمَرَ فَتَخَلَّفَ عَنْ جِنَازَتِهِ فَتَرَكْتُمْ هَذَا بِغَيْرِ شَيْءٍ رَوَيْتُمُوهُ‏,‏ وَكَيْفَ أَجَزْتُمْ أَنْ يَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَمُرَّ فِيهِ الْجُنُبُ طَرِيقًا وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى فِيهِ عَلَى مَيِّتٍ ‏(‏أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ‏)‏‏:‏ مَاتَ سَعِيدٌ فَخَرَجَ أَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَخَرَجْنَا مَعَهُ فَصَفَّ بِنَا وَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ‏,‏ وَكَانَ أَبُو يَعْقُوبَ الْإِمَامَ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَمَا بَالَيْنَا‏.‏